أنت المشاهد رقم

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

مدخل تاريخي إلى الدراسات اللغوية قبل ظهور علم اللسان الحديث

مدخل تاريخي إلى الدراسات اللغوية قبل ظهور علم اللسان الحديث *

بقلم: د.خليفة بوجادي**
I- الدراسات اللغوية قبل ظهور علم اللسان الحديث.
 II- النحو المقارن. تمهيد: على الرغم مما أحدثه كتاب دي سوسير من ثورة في اللسانيات الغربية الحديثة، -لما يحمله من جدّة في الطرح والمنهج معا، ولما أحدثه من أثر في كل حركة لسانية بعده- على الرغم من ذلك، إلا أنه لا يمكن تصور أن مباحث دي سوسير في محاضراته انطلقت من عبقرية فذّة وحدها، ولم تسبقها محاولات عديدة في دراسة اللغة قديما وحديثا, وفيما يلي عرض لأهم تلك الجهود: 1- أصل اللغة وأشهر النظريات: قبل تناول الحديث عن (علم اللغة) ودراستها يحسُن ذكر أهم النظريات الواردة في نشأة اللغة وأصلها, وهو بحث أخذ كثيرا من اهتمامات الدارسين قديما وحديثا, وتبين أن متابعته أمر عقيم غير ذي فائدة, كما فعلت جمعية باريس اللغوية حيث قررت عام 1866 في أول نظام لها أن لا تسمح بمناقشة أي بحث من البحوث يتناول نشأة اللغة وأصولها. لكنه، لا مانع من التعرف على أشهر الآراء في ذلك: – النظرية البيولوجية: اقترحت أن اللغة انحدرت شيئا فشيئا من تطور الحركات والأصول التعبيرية الناتجة عن انفعالات الحيوان والإنسان؛ أي من تقليد ومحاكاة الصيحات أو الضجة الطبيعية. – النظرية الأنثروبولوجية: أصل اللغة هو ذلك العلاقة الرمزية المتبادلة بين وقع المصدر الصوتي وبين معناه، أو الأصوات المرافقة لجهد عضلي، أو إلى تطور بكاء الأطفال، أو تطور الغناء والحركات التعبيرية. – النظرية الفلسفية: اللغة فطرية عند الإنسان. – النظرية اللاهوتية: اللغة هبة من عند الله. وقال آخرون: هي مكتسبة وحصيلة اختراع إرادي أو اكتشاف عارض. وأوعزَها آخرون إلى طريقة نموّ تشبه اكتساب الطفل للغة، وكذلك كانت عند الأقوام البدائية. I- الدراسات اللغوية قبل ظهور علم اللسان الحديث: 1- الدراسات القديمة: ينبغي الإشارة إلى أن دراسة اللغة قبل هذه الفترة لا يُحتفى بها إلا قليلا، ذلك أنها في معظمها تفتقر إلى العلمية والشمول، ولا تتجاوز الأبحاث اللغوية في الغالب بضع صفحات، ونادرا ما تبلغ ثلاثين صفحة في كتاب ما . ولذلك يقول وايتني Whitney قبل أكثر من قرن : “إن علم اللغة هو في جملته من صنع هذا القرن … ولا شيء يستحق الصفة العلمية من النتائج التي توصلت إليها الأبحاث القديمة (السابقة للقرن التاسع عشر) … ولا بد أن نؤرخ من هذا القرن البداية الحقيقة لعلم اللغة.” انظر جورج مونان/ تاريخ علم اللغة منذ نشأتها حتى القرن العشرين. لكننا قد نغير موقفنا تجاه هذا النصّ لو تتبعنا هذه الإشارات القديمة في نقاط عاجلة، مما يلي: أ – قدماء المصريين (ترجع إلى ما قبل الألف الأولى قبل الميلاد): – على ضآلة المعلومات التي استقاها الباحثون، إلا أن فحص الآثار الفرعية يجعلنا نعرف مشاهير فقهاء اللغة عندهم. – نجد في قاموس الحضارة المصرية الذي وضعه POSNER مقالة حول اللغة ألفها سرج سونرون . – كان لديهم اهتمام كبير بالكتابة, ونسبت إلى الإله “توت”, وهو إله السحر أيضا. – لأن الحكم الفرعوني دام فترة طويلة (حوالي 3000 سنة) استقرت الإدارة لديهم كثيرا، واهتموا بالوثائق والسّجلات، وأحسّ كتّابهم بأهمية الكتابة، وعملو على تطويرها, وتلك مشكلة من مشكلات فقه اللغة. – كانت الكتابة من اهتمام اللغويين , وبدأت بالرسوم والنقوش والإشارات الدالة على المعاني المستخدمة في الهيروغليفية القديمة، ثم تطورت دلالات هذه الرموز: (في البداية كان رسم العصفور بمعنى عصفور، وكذلك اليد والهراوة …, ثم انتقلت إلى الترميز، فصارت الهراوة/ للضرب، والهلال/ للشهر، ورأس الثورة فقط/ للثور كاملا.. ب- الصومريون والأكاديون *: – يقول المؤرخ Delaporte: ” لم يوجد لدى الصومريين والأكاديين مبحث تعليمي واحد في أي ميدان من ميادين المعرفة”، أما PEDERSON، فيتحدث عن وجود جداول في نماذج ‘الصرف”، دون تأكيد المراجع. – نُسبت الكتابة عندهم إلى رجل بهيئة السمكة يدعى (أوينس oannès) أو إلى أحد أبناء الإله “ماردوك”، وتعرف بالخط المسماري “صور ورموز” . وقد تأكد الباحثون والمؤرخون فيما بعد، من وجود نشأة علم اللغة عندهم, ومن تعليم اللغة الصومرية وكتابتها. – بإمكانك القول أيضا إن لديهم بدايات في تصنيف المعاجم, تمثلت في (علم اللوائح الصومرية الذي يشمل إشارات مسمارية ذات مدلول متعدد: “إشارة تشبه المربع تفيد : الفم, واللكلام وفعل تكلم والأنف…”، ويشمل كذلك إشارات للحيونات وأنواعها، شروحاً ثنائية اللغة : صومرية وأكاديمية، شروح بعض الألفاظ بالمرادف والتعريف، وفهرساً رباعي اللغة: صومرية، أكادية، حورية وأوغاريتية، وإحصاءَ المفردات (تتجاوز 900 مفردة) ومعاينها، نحو: رسم عصفور+ بيضة= ولادة، إمرأة + حبل = رقيق، … جـ- الصين القديمة (فيما يعود إلى 3000 سنة ق م): – تحدّثوا في موضوع نشأة اللغة، ورأوا أنها طبيعية واصطلاحية، على اختلاف. – نُسبت الكتابة عندهم إلى كتّاب وزراء تحولوا فيما بعد إلى آلهة من مرتبة دنيا، وظهرت حوالي 2500 ق م، وتسمى الباكوا pa-kwa/. ولا وجود لأي مظهر من مظاهر الكتابة الهيروغليفية (الرسوم الواقعية)، بل هي ذات إشارات ورموز أخرى. – بداية نشأة التفكير اللغوي عندهم؛ حيث يُنسب إلى الفيلسوف هسون– تسو ( 297 – 238 ق م ) قوله: “إنما نسمي الأشياء كما نرغب فإذا تمت رغبتنا اعتدنا على التسمية, ولابد من إشارة كتابية للتعبير عنها، ولا تملك الأسماء حقيقة صوتية تلائم الأشياء تلاؤما ضروريا”. د- الهنود (فيما يعود إلى 2000 سنة ق م بحسب الآثار المتوفرة): – نسبت لغتهم إلى الإله أندرا، ولعلنا نجد عندهم أول تفكير لغوي واضح، وأول وصف للغة بعدِّها لغة، كما أنهم تميزوا عن الغير بإدراكهم للتحليل المقطعي للغة, وهو أمر يبعث على الدهشة والإعجاب؛ حيث أحصوا 32 إشارة تشكل حروفا صحيحية وأربعة أخرى, تتألف مع السابقة في الكلام (voyelles) . – لغتهم هي “السنسكريتية” وتعني الكمال، وهي لغة الأدب الفيدي وكتابهم المقدّس الفيدا (vida) ثم تطورت إلى لغة أخرى هي براكريت. أما كتابتهم، فتأخرت بعض الشيء وتُعرف “البراهمية/ 300 سنة ق م”. – تميزوا بالمزج بين علم الأصوات والدين والسحر, وذلك أن خطأً واحدا في اللغة كفيل بإلغاء الاحتفال الدينين كما أنهم اهتموا بدراسة اللغة وتحليلها حفظاً لكتابهم المقدس وأداءً لخدمات السحر. – نشأة علم اللغة الهندي (معتمدا على الشمول والانسجام والاقتصاد): بإمكاننا قول ذلك استنادا إلى ما ورد عنهم من: – تفوّقوا كثيرا في علمي الأصوات والصرف. – أشهر علمائهم في اللغة بانيني (PANINI ) عاش في ق 5 أو 4 ق م )، وضع كتاب “المثمّن” وهو على قدركبير من الأهمية في 8 أجزاء يضم 4000 قاعدة نحوية/ حكمة , وفيه أخبار عن 68 لغويٍّ سبقه. – التوصل إلى تفسير عملية إنتاج الصوت، تصنيف الأصوات ووصفها وذكر مخارجها، التميييز بين الصوائت والصوامت، التمييز بين الاسم والفعل وحرف الجر والأدوات المتممة، بحثوا الاختلاف بين الكلمة ومدلولها. – ويُنسب إلى PRABHAKARA قول على قدر كبير من الأهمية: “لا معنى للكلمة المنفردة إلا في العبارة”. هـ- الفينيقيون* (تعود الآثار المتوفرة عنهم إلى حوالي 11600 – 1300 ق .م): – لهم شأن كبير في تاريخ الكتابة وتمييز الحروف الصحيحة، وتطوير الأبجدية، مما حفّز على التحليل اللغوي. – يُنسب إليهم اختراع الأبجدية, والألف أول حرف فيها، حسَب روايات يونانية ولاتينية، وقد كانت كتابتهم الفينيقية متطورة قياسا إلى الأمم الأخرى، وهي كتابة صوتية محضة، تقتصر على الصوامت دون الصوائت •. و- العبرانيون: – لديهم فضول لغويّ كبير نتيجة ما يحفل به كتاب التوراة من حديث عن اللغة واللهجات وتعدّدها, والاشتقاقات المختلفة، أما أفكارهم اللغوية فقليلة، كما شهدوا تعدّدا لغويا متميزا، من آرامية، يهوديّة، لغة أشدود… وغيرها. واللغة عندهم هبة سماوية، حسب ما رُوي في نصوص العهد القديم من أن الرب الإله جبل كل حيوانات البرية وطيور السماء ليراها آدم، فدعاها بجميع أسمائها. إضافة إلى قصة برح بابل الذي حاول به أبناء نوح عليه السلام العروج إلى السماء، فبدّد الله مجهودهم وبلبل ألسنتهم. ز- الإغريق: – لديهم عناية كبيرة بموضوع اللغة تحديدا، ويظهر ذلك من القضايا المعروضة في زمانهم، نحو إدراكهم لمراحل التقطيع الللغوي (الأول الثاني). وتفريقهم بين حروف العلة والحروف الصحيحة منذ أوروبيدس (480 – 385 ق م )، – في موضوع أقسام الكلمة، ميز أفلاطون بين الاسم والفعل، وأرسطو أيضا في كتابه “فن الشعر” ميّز بين الحرف المتوسط والحرف الصامت والمقطع. وأرجع التخاطب بأسره إلى: الحرف، المقطع، حرف العطف، أداة التعريف، الاسم والفعل. ويُعرِّف الاسم بأنه “مركب صوتي ذو مدلول لا يعني فكرة الزمن”، أما الفعل فهو: “مركب صوتي ذو مدلول يعني فكرة الزمن”، وجعل للحرف تعريفا متميزا: “صوت لا يتجزأ … ومن طبيعته أن يدخل في تركيب صوت معقد، ذلك أن الحيوان أيضا يصدر أصواتا لا تتجزأ لكني لا أطلق عليها اسم الحروف”. – تناولوا أيضا موضوع نشأة اللغة؛ حيث يذهب أفلاطون إلى أن للألفاظ معنى لازما متصلا بطبيعتها، أما أرسطو فللألفاظ عنده معنى اصطلاحي ناتج بين البشر (اصطلاح وتواضع). جـ- الرومان: اتصلوا باليونان وأخذوا عنهم، ومن أعلامهم اللغويين: Varron (لغوي شهير له ملاحظات دقيقة قريبة من الفكر البنوي الحديث, وله نظرات في التصريف وأزمنة الأفعال، من خلال كتابه:”في اللغة اللاتينية”). وQuintilin (في القرن الأول الميلادي, في كتابه “في فن الخطابة” وهو موجز في قواعد اللغة)، وPRISCIEN/ق6 م صاحب كتاب “قواعد اللغة”… ط – العرب: عرفوا دراسة في اللغة متطورة جدا خاصة في القرون (7,6,5,4,3,2 ) الهجرية، في مختلف العلوم اللغوية، وسنأتي إلى تفصيلها في نهاية هذا المقرر بحول الله في آخر محاضرة. 3- الدراسات اللغوية في العصر الوسيط (بين 476 م و1500م)/ منذ انهيار روما إلى النهضة الأوربية وهي عصور الظلام: – تميزت هذه الفترة بانتشار المسيحية، والتشجيع على ترجمة التوراة والإنجيل, مع إشارات إلى مسائل صوتية عديدة. – نشأة الأبجديات؛ عكس العالم الاسلامي آنذاك تماما؛ حيث عرف مباحث كاملة في القواعد العربية، منذ ق 2 هـ). – نشأت بحوث عديدة، وقام جدل كبير ومنازعات فلسفية حول نشأة اللغة على اختلاف الآراء والمذاهب. – أشهر لغويّي هذه الفترة: Pièrre helie الذي لخص القواعد اللاتينية شعرا عام 1150م، كما وضع كتابا في تعليم اللغة الفرنسية وقواعدها. إلى جانب Alexandre de ville dieu (ق 12 م) الذي بحث في القواعد اللاتينية شعرا، والراهب الانجليزي Alfferic الملقب بـ(النحوي) (955 – 1025 م) الذي وضع كتابا في القواعد اللاتينية لتعليم الرهبان من أبناء طائفتهن ثم وضع معجما في اللاتينية والساكسونية. إضافة إلى الإسكندنافي Sturluson Snorri (1179 – 1249) الذي وضع كتابا في القواعد والإنشاء. 4- الدراسات اللغوية في الأزمنة الحديثة: أ- في القرنين 15 م و 16 م: اتضح التمييز بين الصوت والحرف المكتوب , وتميزت هذه الفترة عموما بتحليل الأصوات اللغوية. كما حصلت تطورات كثيرة في دراسة اللغة بعد صدور الأمر الملكي من الملك “لويس 12″ عام 1610، القاضي بجعل الفرنسية لغة المحاكمات الجنائية، ثم صدور أمر آخر يقضي بوجوب استخدامها في الإدارة (عام 1839). – فَرضت العلاقات الدولية الجديدة إنشاء معاجم وكتب مدرسية في اللغات الأجنبية. – دفعت حركة الإصلاح الديني إلى المزيد من دراسة العبرانية والأرامية والسريانية. – كثرة إصدارات الكتب الخاصة بقواعد الفرنسية، لدى كل من: ANTOINE CAUCHIE, JACQUES DUBOIS, THEODOR DE BEZE, BERKLEY,… ، وللأسباب عالمهم اللغوي Néprija وللإيطاليينletrissin ، وكانت لهم جميعا اهتمامات لغوية مشتركة . ب – في القرن 17 م : وضع الراهبانLancelot و Arnauld عام 1660 “القواعد اللغوية العامة والمعللة تعليلا عقليا”. وأصدر الهولندي Montanu Pertus عام 1635 كتابا تضمن وصف أجزاء الفم والأنف والحلق مع حركاتها الممكنة. ووصف عملية النطق وأوضاع اللسان. كما أصدر DIR PORT Royal كتاب “القواعد”، وهو كتاب هام وفيه ملاحظات ثاقبة في الصوت وقضايا اللغة، إلى جانب ظهور قضية جديدة، ولها شأن كبير، وهي مسألة اللغات العالمية المصطنعة. – وفي إيطاليا اشتهر اللغوي vico (1668 – 1744) وله نظرات في اللغة وتعدد اللغات. جـ القرن 18 م: – ازدهرت المقارنة بين اللغات العالمية لدى أمثال الألماني Pollas و Leibniz و الإسباني panduro … – ازدهر التيار النحوي لدى أمثال Brunot و Kukenhein … – تعددت التصانيف في اللغة وأشهر المصنفين RouSseau و DIDerot و Brosse و Gebelin … – يتميز هذا القرن بكثرة النظريات؛ حيث تعددت النظريات النفسية والتاريخية في نشأة اللغات. II- النحو المقارن 1- موضوعه ومنهجه: موضوعه هو تاريخ التطور اللساني من خلال دراسة التقارب بين لغات تبدو مختلفة. ويعتمد على ملاحظة الظواهر اللغوية في وقت ما, وتحديدها بدقة للوقوف على اللغة الأولى, فإذا كانت الأشكال النحوية متطابقة, فمعنى ذلك أن للغتين المقارَنتين شكلار واحدا مستعملا سابقا. ومهمة اللسانيات المقارنة هي كشف هذه العلاقات ودراستها. 2- ما قبل النحو المقارن: يذهب دي سوسير في مدخل محاضراته إلى أن بداية البحث الألسني بدأت بما يعرف بـ”القواعد” grammaire واشتهرت عند الإغريق ثم طورها الفرسيون. وتلتها مرحلة “فقه اللغة” وهي حركة أسسها عام 1777 م Freidrich August wolf, وهدفها مقارنة نصوص ترجع إلى حقب زمانية متباينة، وفكّ رموز كتابات بلغة مهجورة أوغامضة. ومهّدت هذه المرحلة لتطور الألسنية التاريخية. ثم بدأت فكرة إمكانية مقارنة اللغات بعضها ببعض, وتلك هي الحقبة الأولى البارزة في الألسنة الهندية الأوروبية، وكانت بداية نشأة النحو المقارن أو فقه اللغة المقارن. 3- البداية الفعلية للنحو المقارن: في 1816 وضع الألماني Franz Bopp / (1791 – 1867)، تعلم لغات عديدة: العربية, العبرية, الفارسية, الهندية. وأقام بباريس بين 1812 و 1812) /, وضع كتابه (نظام تصريف الأفعال في السنسكريتية), درس فيه العلاقات التي تربط هذه اللغة بـ:الجرمانية, اليونانية, اللاتينية، الليتوانية، الأرمينية، السلافية والألبانية. وتبنّى فكرة انتماء هذه اللغات إلى لغة واحدة، واستنتج في كتابه تقارب لغات أوربية عديدة مع السنكريتية ، وختم تجربته بخمسة مجلدات في الموضوع، أهداها إلى أكاديمية برلين في 1852. ومن نتائج بحثه: – لا تعد السنسكريتية لغةً أمًّا بل هي لغة. ويمكن أن تكون فرعا مع لغات أخرى؛ إغريقية, لاتينية … من لغةٍ أصلٍٍ أخرى. – يمكن الاستعانة باللغة السنسكريتية لمعرفة نشوء اللغة الأمّ. – سبق دي سوسير بقوله: إننا ندرس اللغة لنفسها وبعدِّها موضوعَ بحث لا وسيلة معرفة. وأفكار (بوب) هذه، أشار إلى بعضها الإنجليزي W. Jones (ت 1794 م) قبله، وأمكنه شرح صيغ إحدى اللغات مقارنة بصيغ أخرى. كما نشر لاسموس راسك في فترة (بوب) كتابه (في 1808): “البحث عن مصدر الإسلاندية القديمة”، واشترط فيه أمرين للدراسة المقارنة: أ- الاعتماد على معايير نحوية لملاحظة درجة التطابق، وعدم الاكتفاء بالكلمات منفردةً. ب- الاستعانة بالكلمات الأصلية إذا تعذّرَ ذلك، لأن الاشتراك في أصول الكلمات يعني القرابة بين لغاتها. وظهر إلى جانب (بوب وراسك) لغويون مقارِنون آخرون منهم: Jacob Grimm صاحب كتاب “النحو الألماني”/ 1822، ويعدّ مؤسس الدراسات الجرمانية. و Pott وبينفي Ben fey وكوهين Kuhn وأفريخت Aufrechet … ويمثّل هؤلاء إلى جانب “بوب” الجيل الأول من المقارنين. 4- الجيل الثاني من المقارنين: أول من مثّل هذا الإتجاه بعد الأعلام الأوائل: Max Muller /دروس في علم اللسان في عام 1861، George Curtius/ مبادئ التأثيل اليوناني في 1879، Aug Scheicher/ (1821 – 1869) وهو مؤسس النحو الليتواني وأول من سعى إلى ترميز نتائج الأبحاث المقارنة في “مختصر في القواعد المقارنة للغات الهندية الجرمانية”/ 1861، وكان ينظر إلى اللغة على أنها جسم طبيعي كسائر الكائنات والنباتات، بحكم اختصاصه في علم النبات. وتُوجّه إلى مباحث النحو المقارن في هذه المرحلة عدّة انتقادات، منها: – لم يقوَ على تشكيل العلم الألسني الحقيقي لعدم تحديد غرض الدراسة. – لم يتساءل مطلقا عن معنى التقارب بين اللغات الذي يتوصل إليه، ومعاني العلاقات المكتشفة. – ينظر إلى اللغة على أنها حقبة من حقب الطبيعة. 5- النحاة الجدد *: منذ 1870 أخذ النحو المقارن اتجاها جديدا؛ حيث: – تخلى عن تحليل البنية النحوية بحثاً عن نظام نحوي مشترك أصلي، إلى هدف آخر هو وضع تاريخٍ للغات ذات النسب الواحد. – رفض فكرة شليشر (اللغة جسم طبيعي)، وعدّها إنتاجا جماعيا متعلقا بالتواضع والاصطلاح. – أعاد دراسة الصلة بين اللغة والتاريخ. – اعتمد على القوانين الصوتية، بعد إيمانه بمدى أهميتها. ولقد برع النحاة في تقنيات المقارنة وكان تأثيرهم في الدراسات اللغوية جليا وكبيرا. ويذكر المتتبعون أن دي سوسير اجتمع بهم وأُعجب بأفكارهم. تعليق: يمكن لأي منا الآن بعد هذه المحطات التاريخية للدرس اللغوي، أن يسجل ملاحظات بشأن بداية ظهوره والتأريخ له، خلافا لمكا ذهب إليه وايتني في النص الوارد في مطلع هذه المحاضرة.
* جامعة فرحات عباس سطيف . باحث اكاديمي وشاعر، صدرت له عديد الكتب

منقول للافادة

هناك تعليق واحد:

  1. درست عنده في جامعة فرحات عباس. كان ودود بشوش *سي الطالب* ومثابر لدرجة راقية ثم افتقدناه بسبب المرض كما قيل لنا ونتمنى له كل الخير في باقي حياته وان نلتقيه ولو لمرة.
    من أجمل ما سمعت عنه قولهم»لا يُفتى في اللسانيات وخليفة بوجادي على قيد الحياة« تربت جبهته.
    بمثله نفتخر.

    ردحذف